خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وهو يعلم كل شيء عن نفسيته. فالإنسان بطبيعته يحب الاستماع إلى الموسيقى والغناء. وكان نبي الله داوود عليه السلام جميل الصوت، بارعًا في العزف على المزمار.
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الصوت الجميل الذي يقرأ به القرآن الكريم، وقد جعل من بلال بن رباح مؤذنًا له لجمال صوته. وما كان في نغمات صوته من حزن وتقوى كان له أبلغ الأثر على المسلمين وقتئذ.
لذلك جعل الله سبحانه وتعالى متعة الاستماع كمتعة النظر وسائر المتع الأخرى التي سينعم بها أهل الجنة. قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً، جِذْعُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَفُرُوعُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ، فَتَهُبُّ لَهَا رِيحٌ فَتَصْفِقُ (أَيْ تُصْدِرُ عَنْهَا أَصْوَاتٌ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ)، فَمَا سَمِعَ السَّامِعُونَ بِصَوْتِ شَيْءٍ أَقْطَعَ لِلذَّةِ مِنْهُ".
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ عَلَى سَاقٍ قَدْرُ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ فِي كُلِّ نَوَاحِيهَا، فَيَخْرُجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ (أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ) فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا، فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ وَيَذْكُرُ لَهُ وَالدُنْيَا، فَيُرْسِلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا".
إن كل مؤمن يزوج في حياته الخالدة أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب ومئة من الحوريات. فيجتمعن في كل سبعة أيام، وتشدو أصواتهن الجميلة الساحرة بألحان رائعة كثيرة لم يسمع الخلائق بمثلها، منها قولهن:
. نحن الخالدات فلا نموت . . .
. نحن الناعمات فلا نبأس (أي نشقى) . . .
. نحن الراضيات فلا نسخط . . .
. نحن المقيمات فلا نرحل (أي لا نسافر) . . .
. طوبى لمن كان لنا وكنا له . . .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّةِ، حَافَتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ (أَيْ وَاقِفَاتٌ مُتَقَابِلَاتٌ)، يُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ فِي الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا".
قال الصحابي الجليل كعب بن لؤي عن تفسير الآية الكريمة التي يقول فيها الله جل ذكره: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
قال كعب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ خَلَقَ دَارًا جَعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالثَّمَرَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ، ثُمَّ أَطْلَقَهَا فَلَمْ يَرَهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، لَا جِبْرِيلُ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ".